احتجاجات العراق ولبنان.. تقوّيض للأحزاب الشيعية حليفة إيران

احتجاجات العراق ولبنان.. تقوّيض للأحزاب الشيعية حليفة إيران

طيلة سنوات كانت هناك قناع

Former Twitter employee accused of spying for Saudis pleads not guilty
COP25 opportunity to hear millions of people: NGO
تأجيل محاكمة الداعية السعودي عوض القرني إلى 20 نوفمبر

طيلة سنوات كانت هناك قناعات راسخة بعدم إمكانية وقف انتشار النفوذ الإيراني في دول المنطقة.

كرست طهران نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن عبر أحزاب سياسية تلعب دورا في مراكز القرار، أو تهيمن على جزء أو كامل السلطة في بلدان مثل العراق ولبنان، واليمن أيضا.

واعتمدت الاستراتيجية الإيرانية على استغلال هشاشة الأوضاع السياسية والانقسامات العرقية والطائفية في بلدان عدة، لترسيخ نفوذها في مراكز القرار السياسي عبر أحزاب سياسية ومجموعات مسلحة تدين لها بالولاء مقابل ما تتلقاه من دعم سياسي ومالي وعسكري.

وإلى جانب الأحزاب السياسية، دربت إيران ودعمت قوات حليفة لها في دول نفوذها “التقليدي” تخوض حروبها بالوكالة في منطقة جغرافية تمتد عبر الأراضي العراقية إلى سوريا ولبنان، وفي اليمن وقطاع غزة أيضا.

فيما نجحت إيران في استثمار حالات الفوضى، التي خلفتها الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1989 لتأسيس أو دعم أحزاب وحركات، “حزب الله” وحركة “أمل”.

كما استثمرت غزو العراق عام 2003 لتأسيس ودعم عشرات المجموعات الشيعية المسلحة والأحزاب السياسية، فضلًا عن استثمار الحرب الأهلية السورية عبر دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد واستقدام عشرات المجموعات الشيعية المسلحة من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان وغيرها للقتال إلى جانب قواته.

وكذلك حالة الحرب المستمرة بين حركتي “الجهاد الإسلامي” و”حماس” من جهة والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى بعد “تخلي” الدول العربية عنهما.

كما نجحت في استثمار انقلاب جماعة الحوثي على الحكومة الشرعية عام 2014 والسيطرة على العاصمة صنعاء، ومدن أخرى وسط وشمال اليمن.

ومنذ احتلال العراق واصلت إيران دعم مجموعات وفصائل شيعية مسلحة، بعضها تأسس في إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988)، وأخرى تشكلت بدعم إيراني بعد احتلال العراق.

لكن التطور الأكبر في قدرات المجموعات والفصائل الشيعية المسلحة، كان بعد أحداث الموصل 2014 وتشكيل “الحشد الشعبي” بفتوى من المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، وبدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني للمساهمة في استعادة الاراضي والمناطق من سيطرة تنظيم “داعش” على أجزاء واسعة من محافظات غرب وشمال غرب العراق في يونيو/حزيران.

بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989، احتفظ “حزب الله” بسلاحه بصفته تنظيما “مقاوما” للاحتلال الإسرائيلي والمدافع عن الدولة اللبنانية من أية هجمات إسرائيلية محتملة على لبنان.

لكن “حزب الله” استغل تفرده بامتلاكه سلاحًا موازيًا للجيش اللبناني لفرض الأمر الواقع بقوة السلاح والسيطرة على العاصمة بيروت عام 2008، وتوظيفه في القتال إلى جانب قوات النظام السوري كجزء من قوات تدعمها إيران وتتشكل من عشرات الفصائل الشيعية المسلحة العراقية والافغانية والباكستانية وغيرها.

وتقتسم الأحزاب السياسية السلطة والموارد في لبنان منذ اتفاق الطائف عام 1989، على أساس الانتماء الطائفي والديني والعرقي، وفي العراق بعد الغزو استنسخت تجربة المحاصصة اللبنانية كأساس للنظام السياسي القائم حتى اليوم.

ظل “حزب الله” يتمتع بصفة الحركة المقاوِمة للاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسه منتصف ثمانينيات القرن الماضي، مع تأييد جماهيري عربي وإسلامي واسع على كافة المستويات.

لكن دخول الحزب المعترك السياسي وهيمنته على السلطة بفرض الأمر الواقع بقوة السلاح خارج مؤسسات الدولة، وتفرده بقرار الحرب والسلم مع إسرائيل، ودخوله طرفا مباشرا في الحرب الأهلية في سوريا دون الرجوع إلى المؤسسات الدستورية للدولة اللبنانية، بالإضافة إلى تبعيته الصريحة للسياسات الإيرانية، أفقده الكثير من التاييد على المستويين الرسمي والجماهيري في الدول العربية، وفي الداخل اللبناني بشكل أكثر وضوحا.

وأدت سيطرة الأحزاب والقوى الشيعية على السلطة في لبنان والعراق إلى وقوع البلدين في دائرة النفوذ الإيراني ضمن سياسة يعتقد العرب السنة في العراق أنها سياسة إقصائية استدعت خروجهم في احتجاجات واعتصامات شملت محافظات غربي وشمال غربي البلاد عام 2013، جوبهت من قبل حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بحملات قمع دموية من قبل القوات الأمنية التي يغلب على سلوكها النهج الطائفي، وفق تقارير دولية.

منذ أشهر تشهد العاصمة طهران وعشرات المدن الإيرانية احتجاجات واسعة تقترب كثيرا من الاحتجاجات التي تعيشها مدن لبنانية وعراقية، في رفض الأنظمة السياسية في الدول الثلاثة في نطاق رفض أوسع على مستويات إقليمية ودولية للسلوك الإيراني واستراتيجياته في إنفاذ مشروع الثورة الإيرانية طيلة أربعين عاما.

في العراق، استقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وسبقه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، استجابة لطلبات المحتجين الذين واصلوا احتجاجاتهم مطالبين باسقاط كامل النظام السياسي الذي يقوم على محاصصة سياسية تعتمد اقتسام المناصب السيادية والثروات بين الأحزاب السياسية التي في الغالب تمثل أجنحة سياسية للفصائل والمجموعات المسلحة.

وتتبنى القوى السياسية المهيمنة على السلطة في العراق ولبنان الحليفة لإيران، أو المرتبطة معها بعلاقات “تبعية”، وجهة النظر التي تتبناها قيادات الحرس الثوري والمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بوجود “مؤامرة” خارجية تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل، والسعودية والإمارات في بعض الأحيان، تقف خلف الحركات الاحتجاجية لاستهداف وتخريب العلاقات بين الشعوب الإيرانية والعراقية واللبنانية.

بعد تجدد الاحتجاجات، فقدت الأحزاب السياسية الرئيسية في العراق، “حزب الدعوة الإسلامية” و”المجلس الأعلى الإسلامي” والجناح المسييس من التيار الصدري بعضا من مكانتها في الأوساط الاجتماعية الشيعية، وكذلك “حزب الله” اللبناني وحركة “أمل” في لبنان.

وفي مساحة مهمة من الاحتجاجات اللبنانية، طالب المحتجون باسقاط النظام السياسي بالكامل مع التشديد على “حزب الله” والأحزاب والتيارات المتحالفة معه في المنظومة السياسية اللبنانية.

وفي حين لا يشكل أنصار “حزب الله” اللبناني جزءا من الحركة الاحتجاجية، فإن تيارا واسعا في بغداد والمحافظات الجنوبية ذات الكثافة الشيعية الغالبة التي تمثل الخزين البشري لفصائل “الحشد الشعبي”، يشكلون اليوم جزءا من الحركة الاحتجاجية في العراق.

واتخذت الاحتجاجات في لبنان والعراق طابعًا سياسيًا لإسقاط النظامين السياسيين المرتبطين بإيران بعد أن كان عنوانها الكبير مكافحة الفساد وتحسين الخدمات الأساسية والحد من البطالة.

بالإضافة إلى رفض التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية، فإن المحتجين باتوا يحمّلون إيران الجزء الأكبر من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في العراق، وفي لبنان أيضًا، لأسباب تتعلق بالدعم الذي تقدمه طهران للأحزاب والقوى المهيمنة على السلطة التي باتت تشكل منظومة فساد متكاملة الفساد في كافة مؤسسات الدولة وغياب الرقابة وتسييس القضاء، بعد أن فشلت في إدارة الدولة طيلة ستة عشر عاما.

في مقابل رؤية المحتجين، ترى إيران والقوى الحليفة لها أن الاحتجاجات تستهدف تقويض “محور المقاومة” الذي تقوده طهران، من دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية عبر دعمها للمحتجين في لبنان والعراق، وفي الداخل الإيراني.

هناك ثمة أمل لدى المحتجين اللبنانيين في التخلص من هيمنة “حزب الله” على السلطة، حيث يشكل الشيعة أقلية في لبنان على العكس من العراق.

ستواصل الأحزاب السياسية والمجموعات الشيعية المسلحة “كفاحها” للحفاظ على قوتها ونفوذها السياسي والأمني والاقتصادي من خلال الدفاع عن النظام السياسي القائم في العراق ولبنان ومنع سقوطه عبر موجة الاحتجاجات التي تشهدها العشرات من المدن في لبنان والعراق.