منذ تولي الدبلوماسي المص
منذ تولي الدبلوماسي المصري أحمد أبو الغيط، منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية في يوليو/ تموز 2016، تداعت الأخيرة إلى عقد 24 اجتماعا طارئا لبحث قضايا قومية، كان أسرعها ذلك المتعلق بعملية “نبع السلام” التركية شمالي سوريا.
وانعقد الاجتماع المذكور السبت الماضي، بعد نحو 72 ساعة “فقط” على مرور دعوة مصر لانعقاده في القاهرة، في حين لم تطلب الأخيرة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، عقد اجتماع طارئ لقضايا تمس فلسطين أو استهداف حلب أو اليمن.
واللافت أيضًا أن الجامعة سبق أن تجاهلت الدعوة إلى اجتماع طاريء عقب توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مارس/ آذار 2019، اعترافه المزعوم بـ”سيادة” إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
وفي 9 أكتوبر/تشرين أول الجاري، أطلق الجيش التركي، بمشاركة الجيش الوطني السوري، عملية “نبع السلام” شرق نهر الفرات، لتطهيرها من إرهابيي “ي ب ك/ بي كا كا” و”داعش”، وإحلال السلام والاستقرار فيها، فضلًا عن إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
وكانت أنقرة قد أكدت مرارًا، أنها لا تطمح في أي شبر من أراضي دول الجوار، وأنها تدعم وحدة وسلامة الأراضي السورية، وشددّت على سعيها للحيلولة دون قيام كيان إرهابي على حدودها الجنوبية وانفصاله عن سوريا الأم، وهو الدور الذي كان يفترض بالعرب أن يضطلعوا به.
**طارئ لكن ببطء
وبحسب رصد الأناضول، عقدت الجامعة اجتماعها الطارئ الأبطأ على الإطلاق خلال الفترة المذكورة، على مستوى القمة، بمكة المكرمة في مايو/أيار 2019، بعد 12 يوما من دعوة سعودية، وذلك لإدانة إيران.
وعادةً ما تعقد الاجتماعات الطارئة على 3 مستويات، “القمة” بحضور الملوك والقادة والرؤساء، و”الوزاري” بحضور وزراء الخارجية، و”المندوبون” الدائمون، وتعقد في توقيتات تتراوح بين اليوم ذاته وعدة أيام أقصاها 12 يوما.
**غياب نصف المدعووين
والملاحظ أن اجتماع “نبع السلام” الوزاري الذي انعقد بتأييد عدة دول (لم تسمها) وبالتشاور مع العراق رئيس المجلس في دورته الحالية، التأم بغياب ملحوظ لنحو نصف التمثيل الوزاري للدول واستبداله بمندوبي دولهم.
وكان أبرز النتائج الصادرة عن الاجتماع، النظر في خفض كل من العلاقات والتعاون مع تركيا، ومطالبة أنقرة بوقف عملياتها العسكرية شمالي سوريا.
وتحفظ المغرب ضمنيًا، على القرار باعتباره “لا يعبر بالضرورة عنها”، وتحفظت قطر باعتبار الأمر “حق سيادي لها”، فيما قالت الصومال إن “تركيا دولة صديقة”، بينما رفضت ليبيا خفض العلاقات أو التعاون.
** الرد التركي
وبطبيعة الحال، أثار القرار العربي حفيظة تركيا، التي لطالما ساندت العرب في قضاياهم القومية في جميع المحافل الدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي باتت إحدى أولويات السياسة الخارجية في حكومات “حزب العدالة والتنمية” خلال العقد الأخير.
وفي تعليقه على القرار قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “تتخذون قرارات متخبطة وفق أهوائكم بخصوص تركيا.. قراراتكم لن تقدم أو تؤخر”، في تلميح إلى أن الأنظمة العربية تعيش حالة انفصام عن شعوبها التي تتضامن قلبًا وقالبًا مع تركيا.
وأضاف الرئيس التركي مخاطبًا الجامعة العربية: “لم تقدموا قرشا واحدا من أجل الأخوة العرب السوريين الهاربين من البراميل المتفجرة، نحن من اعتنينا بهم بحكم الأخوة”.
ومنذ اندلاع الثورة السورية منتصف مارس/آذار 2011، تركت تركيا حدودها مشرعة أمام اللاجئين السوريين، واستضافتهم في مختلف المدن، وأقامت لهم مخيمات ذات مواصفات عالية جدًا، حظيت بإشادة الأمم المتحدة.
** تاريخ حافل بالدعم والمؤازرة
أجهدت أنقرة طاقمها الدبلوماسي بحراك غير مسبوق، يتفوق بكثير على الجهود المتواضعة التي أبدتها الجامعة العربية لعلاج الأزمة السورية، قبل أن يتم تدويلها وتصبح مسرحًا لحروب الوكالة وأرضًا مستباحة لأطماع العديد من الدول.
ولم تدخر تركيا جهدًا في تقديم دعم مادي وسياسي إلى الشعوب العربية، عقب ثورات “الربيع العربي”، في كل من تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا، ووقعت مع حكوماتها الشرعية العديد من الاتفاقات في الكثير من المجالات والاستثمار ونقل التجربة الاقتصادية التركية الناجحة.
** اجتماعات الجامعة بلا تأثير
وبالنظر إلى القضايا التي انعقدت لأجلها الاجتماعات الطارئة خلال فترة ولاية “أبو الغيط” المستمرة، يتبين أنها تكرار لنفس القضايا القائمة منذ عقود، والتي عجزت الجامعة عن معالجة أيٍ منها، وفي أحسن الأحوال أصدرت قرارات ظلت “حبرًا على ورق”.
وأبرز القضايا المذكورة، القضية الفلسطينية وتفرعاتها، من قبيل، نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس المحتلة، رفض المساس بالأقصى، والتضامن مع الأسرى، العدوان على غزة، اعتزام دول أخرى نقل سفاراتها لدى إسرائيل إلى القدس.
كما تناولت قضايا أخرى من قبيل، استهداف سفن تجارية ومحطات ضخ نفط، والتدخلات الإيرانية عقب استهدافات حوثية، والتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا، القصف العنيف على حلب من قبل قوات النظام والمقاتلات الروسية.
ورغم جميع هذه اللقاءات العاجلة، إلا أن قراراتها لم تخرج عن الإدانة، ولم تسمو لسقف أعلى يلبي طموحات شعوبهم فيما يخص القضية الفلسطينية، فضلًا عن أن تلك الأنظمة باتت تطور علاقاتها مع إسرائيل، وتتنافس بينها باتجاه التطبيع.