النفط السوري.. من سرقات االنظام والميليشيات إلى الصراع الدولي

النفط السوري.. من سرقات االنظام والميليشيات إلى الصراع الدولي

عقب الإعلان عن تصفية زعيم

“كويجييز” واحدة من أجمل مدن تركيا البطيئة
Bir kazanım hikâyesi… Sinemalarda…
British tour operator aims to fill the gap in Turkey after Thomas Cook…

عقب الإعلان عن تصفية زعيم تنظيم “داعش” الارهابي “أبو بكر البغدادي” مباشرة، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالحديث، عن مصير آبار النفط السورية في الشمال الشرقي من البلاد، مؤكدا على ضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة حصتها منها، مقترحا إرسال شركات أمريكية للتنقيب عن النفط والغاز وإدارة حقولهما.

قد يقلل البعض من أهمية تصريحات ترامب بخصوص النفط السوري، وأنها تأتي في إطار حملته الانتخابية لولاية رئاسية ثانية، ولإخماد الانتقادات الحادة من قبل الديمقراطيين وبعض الجمهوريين بالتخلي عن كرد سوريا، طبعا المقصود هنا ميليشيات “قسد” الارهابية، التي يشكل “ي ب ك/ بي كاكا” الارهابي عمودها الفقري.

لكن سلوك ترامب وسياسة إدارته، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالنفط والموارد الاقتصادية، فإن مراعاة القوانين والشرائع والأعراف الدولية تصبح في مرتبة متأخرة، إذ المهم بالدرجة الأولى بالنسبة لترامب، أن يبرهن للناخب الأمريكي أنه نجح في ملء الخزانة الأمريكية بالدولارات، بغض النظر عن، من أين وكيف !.

** انتاج سورية من النفط

لا توجد دراسات علمية دقيقة ومستقلة تماماً عما تملكه سوريا من موارد طاقة، خصوصاً أنّ نظام الأسد سبق أن أخفى أسماء العديد من آبار النفط خلال السنوات التي سبقت الثورة السورية، ليكتشف السوريون أن هناك آباراً مختلفة عن التي ذُكرت في الكتب المدرسية والإعلام الرسمي، عُرفت بعد أن سيطر عليها تنظيم داعش.

تشير بيانات موقع “بريتش بتروليوم” للنفط، إلى أن إنتاج النفط في سوريا، بلغ 406 الاف برميل في عام 2008، وانخفض عام 2009 ليصبح 401 آلاف برميل يومياً، ثم أصبح 385 ألف برميل في عام 2010، و353 ألف برميل في عام 2011، و171 ألف برميل في عام 2012، و59 ألف برميل في عام 2013، و33 ألف برميل في عام 2014، ثم 27 ألف برميل في عام 2015، و25 ألف برميل في عامي 2016 و2017، و24 ألف برميل في عام 2018.

** أهم حقول النفط في سورية

يعتبر حقل السويدية بمحافظة الحسكة بطاقة انتاجية 116 الف برميل يوميا الأكبر، يليه حقل الرميلان بالحسكة 90 الف برميل يوميا، ثم حقل العمر بدير الزور 80 الف برميل يوميا، فحقل التيم والورد بدير الزور 50 الف برميل يوميا لكل من هما، ثم حقل التنك بمحافظة دير الزور 40 الف برميل يوميا.

وتعمل مصفاه بانياس بطاقة انتاجية 125 الف برميل يوميا، ومصفاه حمص بطاقة انتاجية 107 الاف برميل يوميا.

ولدى سوريا حقول غاز في المنطقة الوسطى بحمص وحماه والبادية السورية(شرقا) وجميعها تقع تحت سيطرة النظام السوري الذي لا يسيطر في المقابل على أي من حقول النفط في البلاد حاليا.

وفي عام 2008، كان ترتيب سوريا في احتياطي الغاز في المرتبة 43 عالمياً، بواقع 240.7 مليار متر مكعب، حسب “List of countries by natural gas proven reserves”، في الوقت نفسه احتلت المرتبة 31 باحتياطي البترول.

وذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن وزارة النفط التابعة لنظام الأسد عام 2017، أن سوريا تمتلك احتياطياً بحرياً من الغاز يقدر بـ 250 مليار متر مكعب.

**من يسرق النفط السوري؟

بدأ إنتاج النفط في سوريا عام 1968 دون أن تدخل قيمة النفط المباع في خزينة الدولة ولا في الموازنة العامة، بل ذهبت مليارات الدولارات إلى حسابات عائلة الأسد.

عام 1980 تم تأسيس شركة الفرات للنفط، وكانت تقوم هذه الشركة بأعمال التنقيب واستثمار حقول النفط في سوريا، وتوزعت حصصها بواقع 65% للدولة السورية، و35% لمجموعة شركات أجنبية ترأسها شركة شل الهولندية، التي تولى وكالتها محمد مخلوف والد رامي مخلوف رجل الأعمال ذائع الصيت وقريب بشار الأسد.

هناك شركة نفط أخرى، أسمها ليدز أسست في نفس العام 1980 مقرها في دمشق. هذه الشركة يملكها مناصفةً محمد مخلوف وقريبه نزار أسعد، وقد سجل محمد مخلوف حصته باسم شقيق زوجته غسان مهنا، وهو موظف سابق في شركة النفط والغاز السورية، ليتم لاحقاً سحب عقود معظم الشركات النفطية مثل توتال الفرنسية وغيرها، من أجل توقيع العقود مع شركة بترو كندا لأن رامي مخلوف هو وكيلها الحصري في سوريا.

تذكر بعض الدراسات التي تحتاج إلى توثيق أن انتاج النفط في سوريا ارتفع في الأعوام بين 1995 وحتى عام 2004 ليبلغ ذروته بواقع 600 ألف برميل يوميا، أي ما يعادل ثلث إنتاج الكويت، كما ورد في نشرة إكونوميست إنتاليجانس يونت، لكن هذه الكميات لم تسجل بمنظمة الأوبك، كي لا يتم ملاحقة الكميات والأسعار، حيث أن النفط السوري يباع وبعلم الجميع في السوق السوداء، فإذا كان السعر البرميل في منظمة أوبك 110$ تقوم مافيا النظام ببيعه بـ 85$ بشرط الدفع فوري وكاش وبالدولار وهنا لا يدخل ميزانية الدولة.

** الصراع على النفط

في فبراير 2018، هاجم مرتزقة روس، وقوات موالية للأسد بدعم من المليشيات الايرانية، حقل نفط تسيطر عليه ميليشيات قسد بالقرب من دير الزور، لكن مجموعة مشاة البحرية الأميركية المتمركزة في المنطقة لم تقتصر على صد الهجوم وحسب، بل قامت بإبادة القوات المهاجمة إبادة كاملة، حتى إن عربات ومعدات المهاجمين تعرضت للذوبان، فقد استخدم الأمريكان أسلحة فتاكة متطورة جدا. العملية خلفت ما يربو على 416 قتيلا في صفوف القوات المهاجِمة.

رسالة الأمريكان كانت واضحة مفادها، لن نسمح لأحد من الاقتراب من حقول النفط بمنطقة دير الزور، حيث تنتشر أبرز حقول النفط في سورية.

الرئيس الأميركي ترامب قال مؤخرا بعد إعلانه قرار سحب بعض قواته من الشمال السوري “سنحاول التوصل لحل مع الأكراد يضمن لهم بعض التدفقات النقدية (من النفط) … قد نسمح لواحدة من شركات النفط الكبرى للدخول للمنطقة وأداء ذلك بشكل صحيح.” ..

بينما قال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن “الولايات المتّحدة ملتزمة بتعزيز موقعها في شمال شرق سوريا بالتنسيق مع شركائنا في قوات سورية الديموقراطية (قسد)، عبر إرسال دعم عسكري إضافي لمنع وقوع حقول النفط هناك مجددا بيَد تنظيم داعش أو لاعبين آخرين مزعزعين للاستقرار” !. وهنا يجب التوقف مليا عند “لاعبين آخرين” !.

** الحجة داعش والهدف السيطرة على منابع النفط

أدت عملية نبع السلام التركية، ضد معاقل مليشيات قسد الانفصالية الارهابية في شمال سوريا، إلى تصاعد المخاوف من قيام تلك الميليشيات بإطلاق سراح إرهابيي تنظيم داعش، من أجل خلط الأوراق وإحراج تركيا، حيث تحتجز تلك الميليشيات عشرات الآلاف من عناصر التنظيم وعائلاتهم في سجون ومخيمات مختلفة، وكانت قسد قد هددت مرارا بإطلاق سراحهم في حال تدخلت تركيا عسكريا، وهو ما حدث بالفعل، فقد أطلقت سراح بعضهم بحجة هربهم أثناء القصف التركي.

بذريعة محاربة داعش، قررت الولايات المتحدة تعزيز وجودها بالمنطقة لحماية حقول النفط، الذي قدرت وزارة الخزينة الأمريكية أن التنظيم كان يجني من عوائده نحو 40 مليون دولار شهريا في عام 2015.

صحيفة نيويورك تايمز أفادت بأنها حصلت على وثائق، تشير إلى إمكانية وقوع معارك قادمة بسبب النفط، خاصة بعد ما قالت وزارة الخارجية الروسية إنه يتعين على الحكومة السورية / نظام الأسد استعادة السيطرة على جميع المنشآت النفطية في شمال شرق سوريا.

** الصراع على الثروات السورية

لم يعد خافيا على أحد الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية التي تسيطر عبر وكلائها وبعض قواتها على أغلب حقول النفط السورية، وروسيا التي تتربع على عرش الغاز الطبيعي السوري في البحر المتوسط، بواسطة أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط بمحافظة طرطوس غربي البلاد.

ففي 27 أكتوبر قال الرئيس ترامب أثناء حديثه عن النفط السوري: “ما أعتزم القيام به ربما يكون عقد صفقة مع شركة إكسون موبيل أو إحدى أكبر شركاتنا للذهاب إلى هناك (سوريا) والقيام بذلك بشكل صحيح… وتوزيع الثروة”.

وأشار ترامب إلى أن حماية آبار النفط “تحرم تنظيم داعش مِن عوائده، فيما سيستفيد منه الأكراد، وممكن أن تستفيد الولايات المتحدة منه أيضاً”، مضيفاً أن “النفط غذّى تنظيم داعش وعملياته، ويجب أن نأخذ حصتنا الآن”.

بالتوازي مع تصريحات ترامب، وصلت شحنة عسكرية مكونة من 170 شاحنة يرافقها 17 عربة مدرعة تحمل جنوداً أمريكيين، قادمة من شمال العراق عبر معبر سيمالكا الحدودي مع سوريا، متوجهة إلى القواعد الأمريكية القريبة من حقول النفط والغاز في محافظتي دير الزور والحسكة شرقي البلاد.

مجموعة العمل الأمريكية، كانت قد أوصت بألّا تتخلّى الولايات المتحدة عن منابع النفط منعاً من أيّة سيطرة اقتصادية لروسيا أو إيران عليها.

إن احتفاظ واشنطن بقاعدة التنف(اقصى جنوب شرقي سوريا)، خير دليل على أن واشنطن لا تفكّر حالياً بالانسحاب من حقول النفط.

تحاول إدارة ترامب جعل الموارد النفطية السورية رهينة تحت سيطرتها، من أجل استخدامها ورقة مقايضة لإجبار نظام الأسد وداعميه الروس على قبول مطالب واشنطن، خلال تسوية سياسية للنزاع السوري.

لكن روسيا التي أصبحت تسيّر دوريات عسكرية في بعض مناطق النفط(شمالا) بالتنسيق مع تركيا، لديها هي الأخرى الرغبة الجامحة في اقتسام كعكة النفط السورية.

تسعى واشنطن وموسكو ونظام الأسد، للسيطرة على المناطق الغنية بالنفط والغاز والماء، حيث سيكون لها الدور الأكبر في تحديد ملامح أي حل سياسي مقبل للأزمة السورية.

** عملية نبع السلام صمام الأمان

في الوقت الذي استولى فيه النفط والغاز والموارد الطبيعية على اهتمام الأمريكيين والروس وغيرهم، تمضي تركيا ومعها الجيش الوطني السوري، قدما وبخطى ثابتة نحو تنظيف أوكار الإرهاب الانفصالي من خلال عملية “نبع السلام” شمالي سوريا، لتعمل على بسط الأمن، وتهيئة الأجواء المناسبة والظروف الملائمة، لعودة النازحين والمهجرين السوريين إلى منازلهم.

إذا كان الخلاص من الارهاب بجميع أشكاله الأيدولوجية والانفصالية، الشرط الأساس لوحدة الوطن السوري، وبناء مؤسسات الدولة من جديد، فإن عودة دوران عجلة الحياة الاقتصادية، هي صمام الأمان لعودة النازحين والمهجرين إلى بلادهم، لكي يساهموا في سرعة التعافي المنشود، وكلاهما مرتبط ارتباطا مصيريا بنجاح عملية نبع السلام.