محاولات لتقفي أثر آخر جندي عثماني في “المسجد الأقصى”

محاولات لتقفي أثر آخر جندي عثماني في “المسجد الأقصى”

لسنوات طويلة، بقي مظهر ا

Russian nuclear firm halts project with Iran due to uranium enrichment
TSK ve MİT'ten ortak nokta operasyon: 3 PKK'lı terörist etkisiz
Protests, trust deficit continue as Algeria set for polls

لسنوات طويلة، بقي مظهر العريف حسن الإغدرلي، وهو آخر جندي عثماني لازم المسجد الأقصى حتى وفاته، مجهولا لغالبية الناس.

لكن جهودا تابعتها وكالة الأناضول، أثمرت الكشف عن صورته؛ إلا أن مكان دفنه ما زال مجهولا وإن كان يُعتقد أنه في القدس.

وبين مجموعة آثار لدى “مقتني تحف فلسطيني”، يدعى بسام بدران، كانت هناك صورة لكهل كثيف اللحية، كُتب في أعلاها “آخر جندي تركي، بقي يحرس المسجد الأقصى من 1917 وتوفي في القدس 1982” .

الصورة لفتت انتباه مدير المجلس الثقافي التركي، “ريها أرمم جو”، الذي كان استجاب لدعوة من مقتني التحف، بسام بدران، لزيارة متحفه الخاص في طولكرم في شمالي الضفة الغربية.

وقال “أرمم جو”: “خلال مشاركتي في افتتاح معرض للصور في مدينة طولكرم، شمالي الضفة الغربية، تم تنظيمه بالشراكة ما بين المجلس الثقافي التركي وبلدية طولكرم، التقيت مع بسام بدران الذي عرض علي رؤية متحفه الخاص وهناك وجدت هذه الصورة”.

وتابع أرمم جو: “أخذت نسخة عن هذه الصورة، وعرضتها على عدة أشخاص في القدس، الذين أكدوا لي على أنها بالفعل صورة العريف حسن الإغدرلي”.

وقد تمكّن الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، من التعرف فورا على الصورة عندما عرضها طاقم وكالة الأناضول عليه، في منزله في القدس الشرقية.

وقال الشيخ صبري (81 عاما)، وقد بدت عليه علامات التأثر: “نعم، إنه الجندي العثماني التركي الذي بقي في مدينة القدس، وكان ملازما للمسجد الأقصى المبارك من الصباح حتى المساء ولا يتكلم مع أحد، كان منطويا على نفسه، يصلي ويقرأ القرآن ولا يغادر الأقصى إلا بعد آخر مصلٍ بعد صلاة العشاء”.

وأضاف صبري: “كان هذا الجندي فعلا وفيا للمسجد الأقصى وحزينا، بطبيعة الحال، نتيجة ما حصل في الحرب العالمية الأولى، فكانت ردة فعله أنه تمسك بمدينة القدس واعتكف في المسجد الأقصى في جميع أيام السنة حتى وفاته”.

وبعد لحظات تأمل إضافية بالصورة، وكأنه يعود سنوات إلى الوراء، قال الشيخ صبري: “هذا عين الوفاء والارتباط والانتماء للمسجد الأقصى المبارك ولمدينة القدس، وهو رمزية لتركيا بأن تركيا موجودة في فلسطين حتى لو تغيّر الوضع السياسي، وحتى لو حصلت معركة الحرب العالمية الأولى، لكن بقي هو رمزية الترابط ما بين تركيا وفلسطين”.

وتتردد قصة العريف حسن الإغدرلي على لسان العديد من الرجال الكبار في السن في القدس، ولكنّ الكثير من التفاصيل عنه ما زالت مجهولة، بما في ذلك مكان دفنه الذي يعتقد على نطاق واسع بأنه في القدس.

وقال أرمم جو: “لا نعلم بالضبط أين تم دفن العريف حسن، الذي كرس غالبية حياته للقدس والمسجد الأقصى”.

وأضاف: “كمؤسسات تركية، نحن نواصل البحث لإيجاد مدفن العريف حسن في القدس، وبعون الله سنجده وسنبني ضريحا له”.

بدوره، قال الشيخ صبري، وهو أيضا رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس: “لا اعرف المكان الذي دفن فيه”.

وبالعودة إلى بسام بدران، الذي تم العثور على صورة العريف حسن في مكتبته، فإنه يشير إلى أهمية اقتناء الآثار.

ويقول بدران: “أجمع التراث الفلسطيني منذ العام 1972 لعدة أهداف، والهدف الرئيسي هو أنني أريد أن اثبت وجود الشعب الفلسطيني من خلال تراثه، لأن التراث هو السلوك اليومي للإنسان الفلسطيني على أرضه وهو ذاكرته غير القابلة للنسيان”.

**قصة العريف حسن:

أول من كشف سر العريف حسن الإغدرلي، هو الصحفي التركي المؤرخ إلهان بردكجي، الذي زار المسجد الأقصى، ضمن وفد تركي في شهر مايو/أيار 1972 وتحدث معه باللغة التركية.

يشير بردكجي إلى أن العريف حسن كان في حينها في الثمانينيات من عمره، وأنه حينما ألقى عليه السلام، رد عليه بصوت خافت مرتجف وعليكم السلام بنبرة تركية.

وعندما استفسر منه عن سبب وجوده في المسجد الأقصى رد: “أنا.. أنا العريف حسن اﻹغدرلي رئيس مجموعة الرشاش الحادية عشرة، الكتيبة الثامنة، الطابور السادس والثلاثين من الفرقة العشرين في الجيش العثماني”.

ولفت العريف حسن في حديثه، إلى أن قائده العسكري واسمه “اليوزباشي مصطفى”، قال للحراس عقب سقوط فلسطين بيد جيش الحلفاء، إبان الحرب العالمية الأولى: “أيها اﻷسود.. إن الدولة العثمانيّة العليّة في ضيق كبير… جيشنا المجيد يُسرّح… والقيادة تستدعيني إلى إسطنبول.. يجب أن أذهب وأُلبي اﻷوامر، وإلا أكون قد خالفت شروط الهدنة ورفضت الطاعة”.

لكن اليوزباشي مصطفى، طلب من الجنود البقاء لحراسة المسجد الأقصى، بحسب العريف حسن، كما نقل عنه بردكجي.

فقد قال حسن الإغدرلي، ناقلا حديث قائده اليوزباشي مصطفى الموجه للجنود: “من أراد منكم العودة إلى بلاده فليفعل.. ولكن أقول لكم إن القدس أمانة السلطان سليم خان في أعناقنا فلا يجوز أن نخون هذه اﻷمانة أو نتخلى عنها، فأنا أنصحكم بالبقاء حراسا هنا، كي لا يقال إن الدولة العثمانية تخلت عن القدس وغادرته، وإذا تخلت دولتنا عن أول قبلة لفخر الكائنات سيدنا محمد ﷺ، فسيكون ذلك انتصارا حقيقيا ﻷعدائنا، فلا تضعوا عزة اﻹسلام وكرامة الدولة العثمانية تحت اﻷقدام”.

وأضاف العريف حسن: “فبقيت وِحْدتُنا كلها في القدس، ﻷننا لم نرضَ أن يقال إن الدولة العثمانية تخلت عن القدس، أردنا ألا يبكي المسجد اﻷقصى بعد أربعة قرون، وألا يتألم نبينا الكريم.”

ويوضح الصحفي بردكجي، أن العريف حسن أخبره أن رفاقه توفوا مع تعاقب السنوات “واحدا واحدا، ولم يستطع اﻷعداء أن يقضوا علينا، وإنما القدر والموت”.

وأكمل بردكجي، نقلا عن العريف الإغدرلي: “وها أنا ذا العريف حسن، لا زلت على وظيفتي حارسا على القدس الشريف… حارسا على المسجد اﻷقصى”.

واستنادا إلى بردكجي فإنه في العام 1982 تلقى رسالة بوفاة “الحارس العثماني الأخير للمسجد الأقصى”.

وخضعت فلسطين لحكم الدولة العثمانية عام 1516، في عهد السلطان سليم الأول.

واستمرت فلسطين، بما فيها القدس، تحت الحكم الإسلامي العثماني أربعة قرون، إلى أن سقطت بيد بريطانيا في ديسمبر/كانون ثاني 1917.

وتزامن احتلال بريطانيا لفلسطين مع إصدارها وعد بلفور، الذي نص على إقامة “وطن قومي” لليهود عليها؛ كما عملت على تسهيل الهجرة اليهودية وتسليح المنظمات الصهيونية.

ثم أنهت بريطانيا انتدابها لفلسطين عام 1947، لإتاحة الفرصة للحركة الصهيونية لإعلان قيام دولة إسرائيل وطرد الشعب الفلسطيني من دياره.

واحتلت إسرائيل الجزء الغربي من مدينة القدس، عام 1948، ثم عادت واحتلت شرق المدينة عام 1967.